قصة المبادرة الزراعية ومراحل تطور حلقة الاقراض

نشر في ملحق المبادرة الزراعية الصادر في جريدة الصباح بعدد خاص في 20/8/2013 بمناسبة مرور خمسة سنوات على انطلاق المبادرة الزراعية للحكومة العراقية .

الباحث: محمد شريف أبو ميسم

يكاد يتفق المعنيون بالشأن الزراعي في العراق ، ان ما ورثه هذا القطاع من تداعيات خلفتها السياسات السابقة لم يكن من اليسير معالجتها أو التعامل معها بشكل سريع ومباشر، وفق الامكانيات المتوفرة للدولة العراقية بعد رحيل الدكتاتورية.

وفي ظل الارباكات التي شهدتها البلاد فيما بعد كانت المعالجات غير متاحة، جراء الوضع الأمني وزيادة الانفاق على القطاع الأمني وحاجة القطاعات الخدمية الى المزيد من الأموال التي في أغلبها تحتاج الى أموال هائلة وخطط تأخذ من الوقت الكثير ، وبالتالي فان مرور المزيد من الوقت يعني المزيد من التراجع لهذا القطاع .. وحين اشتد عود الدولة العراقية الجديدة بعد قصم ظهر الارهاب والفتنة الطافية في العام 2007 ، انطلق العمل بما أطلق عليه ( المبادرة الزراعية ) بهدف خلق معالجات آنية تبعث الأمل في نفوس الفلاحين والمزارعين والعاملين في القطاع الزراعي وتعيد الثقة قدر الامكان بهذا القطاع .. الا ان حلقة الاقراض لم تدخل حيز التنفيذ الا في 1/8/2008 وكان المخصص لها من اجمالي مبلغ المبادرة الزراعية البالغ 500 مليون دولار في ذلك العام هو 240 مليون دولار ( حوالي 288 مليار دينار )توزعت على خمسة صناديق هي: دعم صغار الافلاحين 30 مليون دولار - الثروة الحيوانية 40 مليون دولار - المكننة ووسائل الري الحديثة40 مليون دولار - تنمية النخيل30 مليون دولار - المشاريع الكبرى 100 مليون دولار .

فكانت حلقة الاقراض واحدة من مجموعة حلقات تركز فيها جهد القائمين على المبادرة الزراعية بدعم العاملين بالقطاع الزراعي أولا بجانب الخطط التي شرعت بها الجهات ذات العلاقة لاعادة الحياة للواقع الزراعي ، ولكن سرعان ما جائت نتائج حلقة الاقراض لتساهم في الاسراع بنتفيذ الخطط الاستراتيجية بعد أن حققت الأهداف المرحلية من خلال عودة المنتج المحلي الى الأسواق ودوران عجلة القطاع الزراعي .

ومن اجل الاستمرار في تكريس النجاحات التي حققتها قروض المبادرة الزراعية بهدف الارتقاء بواقع المنتج المحلي ( النباتي والحيواني ) باتجاه تحقيق الحد الأدنى من الامن الغذائي للبلاد استمر العمل بحلقة الاقراض وتم تخصيص المزيد من الأموال لصناديق الاقراض التخصصية الخمسة التي تم استحداثها ضمن الموازنة العـــامة للدولة للسنوات( 2008 – 2009 – 2010 – 2011- 2012) حيث بلغ اجمالي المبالغ المخصصة لقروض المبادرة الزراعية والتي قام المصرف الزراعي باستلامها وادخالها في دورة رأس مال الصناديق التخصصية هي ( 288 مليار دينار عام 2008) ، ( 244.8 مليار دينار لعام 2009)، ( 288 مليار دينار لعام 2010 ) ، ( 288 مليار دينار لعام 2011 تم استلام 280 مليار دينار ) ، ( 201.6 مليار دينار في العام 2012 تم استلام 150 مليار دينار ) فأصبح مجموع المخصص 1310.4 مليار دينار تم استلام 1250.8 مليار دينار لغاية 2012 .

وقد بدا واضحا تأثير حلقة الاقراض على المشهد الزراعي ، وتجلى هذا الوضوح بعد سنتين من انطلاق العمل بقروض الصناديق التخصصية ، من خلال عودة المنتج الزراعي للظهور في الأسواق المحلية بعد أن كانت المنتجات المستوردة تتصدر وتتسيد على مجمل المعروض من المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية .

وبرزت منتجات الخضر التي تعتمد الزراعة المحمية والبيوت البلاستيكية بشكل واضح في حجم المعروض ، بعد أن سجلت الكثير من المحافظات تطورا ملموسا في الكميات المنتجة أو اكتفاء ذاتيا ..وشهدت تجربة زراعة الطماطة في البيوت البلاستيكية نجاحا كبيرا منذ العام 2009 في مناطق مختلفة من البلاد مما زاد من كمية المعروض ومن ثم انخفاض الأسعار الى حد كبير، الأمر الذي دعا وزارة الزراعة الى منع استيراد منتجات الخضر بهدف حماية المنتج المحلي وتكريس هذه النجاحات، بجانب تشجيع منح قروض لمعامل إنتاج ( معجون الطماطة ) في هذه المناطق لضمان تسويق المنتج ومنح المزارعين المزيد من الثقة بعملهم .

من جانب آخر استطاعت قروض المبادرة الزراعية ، أن تدفع باتجاه حصول تطور كبير في مستوى انتاج اللحوم الحمراء ، وتؤشر مستويات الطلب جراء ارتفاع مستويات الدخول لدى عموم العراقيين في السنوات الثلاث الأخيرة الى ارتفاع مستوى الاستهلاك على الرغم من غياب الاحصائيات والبيانات الرسمية في هذا الجانب ، الا ان مؤشرات استهلاك اللحوم الحمراء مع تعدد المناسبات الدينية التي يكثر فيها نحر الماشية والمجترات ، والتي ازدادت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة ، تعطينا معيارا لحجم النمو الحاصل في حلقة تربية وتجارة الماشية والمجترات المحلية ، حيث لا يعتمد على اللحوم المستوردة في هذه المناسبات .

وساهمت قروض المبادرة الزراعية في اعادة الحياة لقطاع صناعة الدواجن ، اذ تؤكد الجهات ذات العلاقة ان عدد حقول فروج اللحم العاملة في العام 2010 بنحو 1678 حقلاً من أصل 4854 ، أنتجت 120ألف طن من اللحوم ، وهذا يعني ان نسبة الحقول العاملة 35بالمئة من عدد الحقول بعد أن كانت 14بالمئة من المشاريع في العام 2009 أما بالنسبة لانتاج البيض ، فان عدد الحقول العاملة 149 حقلاً في العام 2010 تنتج ما مجموعه 745 مليون بيضة ، اذا علمنا ان استهلاك العراق من لحوم الدواجن ، بحسب منظمة الفاو للأغذية والزراعة يقدر ب400 ألف طن سنويا ، و4 مليار بيضة على اعتبار ان تعداد العراق يبلغ 30 مليون نسمة، الأمر الذي تطلب المزيد من الدعم لهذا المفصل الحيوي من مفاصل القطاع الزراعي.. فازدادت قروض صندوق الثروة الحيوانية حتى تجاوزت 224 مليار دينار توزعت على 19716 مستفيد لغاية الثالث من حزيران الماضي .. فيما بلغت القروض المصادق عليها في صندوق صغار الفلاحين 466 مليار دينار توزعت على 32170 مستفيد ، وقروض المكننة ووسائل الري 758 مليار توزعت على 36267 مستفيد ، وتنمية النخيل 78.6 مليار توزعت على 9202 مستفيد ، والمشاريع الكبرى 237.6 مليار دينار توزعت على 412 مشروع ، فيما بلغ الممنوح من صندوق تنمية الأهوار 4.6 مليار دينار توزعت قروضه على 314 مستفيد .

وبهذا يكون مجموع المبالغ المصادق عليها من قبل مجلس ادارة الصناديق التخصصية قد تجاوز 1.769 ترليون دينار توزعت على 98081 مستفيد لغاية 3/6/2013، فيما بلغ اجمالي المبالغ المصروفة فعليا من قروض صناديق الاقراض التخصصية 1.505 ترليون دينار توزعت على 92725 مستلف لغاية 30/6/2013.

وبناء على ما تقدم نستطيع القول قروض المبادرة الزراعية استطاعت أن تعيد النشاط للقطاع الزراعي وتساهم بشكل واضح في تنشيط مشهد الاقتصاد الكلي بجانب استدراجها لعودة الأيدي العاملة الزراعية التي غادرة هذا القطاع خلال العقود السابقة بحثا عن مصادر للرزق لسد شأفة الفقر بعد التدهور الذي أصاب هذا القطاع جراء السياسات السابقة .

* باحث اقتصادي / مدير العلاقات والاعلام في المصرف الزراعي

المصادر: بيانات واحصائيات المصرف الزراعي التعاوني