المصرف الزراعي بين العمل التخصصي والصيرفة الشاملة

المصرف الزراعي بين العمل التخصصي والصيرفة الشاملة

الباحث: م رئيس مهندسين زراعيين : محمد شريف سلمان

بسم الله الرحمن الرحيم
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون صدق الله العظيم
المحتويات
المقدمة
المحور الاول :( البحث في دلالات التعاريف )

المؤسسات المالية
أنواع المؤسسات المالية
البنوك
المصارف
البنوك الزراعية
الصناديق التنموية
المصرف الزراعي التعاوني
المحور الثاني : ( الدلالات التاريخية للتداولات المالية في المصرف الزراعي )
المحور الثالث : ( دلالات سعر الفائدة في عمل المصرف الزراعي )

المحور الرابع : ( التداولات المالية للمصرف الزراعي في القطاعات الاخرى )
الاستنتاجات التي توصل اليها الباحث
التوصيات
المصادر
قائمة الملاحق

قائمة الجداول :
رقم الصفحة اسم الجدول رقم الجدول
15
16 معدل سعر الفائدة خلال الفترة من 1935 الى ما بعد العام 1960
اسعار الفائدة على القروض الممنوحة للسنوات من 2000 حتى 2014 -1
-2

المــقــــــدمــة :
باتت قضية المصرف الزراعي المتعلقة باتجاهات عمله بين العمل التخصصي والصيرفة الشاملة تثير الكثير من اللغط في المعنى المفاهيمي والتاريخي والقانوني والذي ترتب عليه ايقاف عمل المصرف الزراعي في الصيرفة الشاملة لمرات عديدة، ثم عودته للعمل بها وفق اجتهادات اللحظة ، ما يدفع باتجاه البحث في هذا الموضوع لفك هذا الاشباك ، فجاء هذا الجهد المتواضع الذي تناول هذا الموضوع وفق هيكلية قسمت الى أربعة محاور ..تناول الاول الأصل المفاهيمي في معرض التعاريف والمقارنات بين مفهوم واصل كلمة المصرف وبين الصناديق التنموية المتخصصة التي تقوم بمنح الائتمان لقطاع اقتصادي دون آخر..فيما يخوض المحور الثاني في الدلالات التاريخية لعمل المصرف الزراعي بهدف البحث عن دالة تنفي أو تثبت احقية هذه المؤسسة المالية في العمل الصيرفي منذ تأسيسها في العام 1935 من خلال قبول او عدم قبول الودائع وتعاطي عمليات السحب والايداع، وخصص المحور الثالث للخوض في دلالات سعر الفائدة بهدف تمويل الكلف الادارية وتحقيق هامش ربحي لتعظيم حوافز الاستمرار في العمل، فيما كان البحث يدور بالمحور الرابع في دائرة العمل التخصصية من خلال علاقة نشاطات المصرف المتخصصة والتي يترتب عليها تعاملات وتبادلات مع المؤسسات المالية والقطاعية الأخرى، في محاولة لاثبات أحقية المصرف الزراعي في تعاملات الصيرفة الشاملة من عدمها .

المحور الاول :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحث في دلالات التعاريف :
سنقف اولا عند معرض التعاريف لنبحث عن دالة يمكن أن نسترشد بها عن وظيفة المؤسسة المالية – التي تسمى بنك او مصرف- وتعمل بشكل متخصص- لدعم القطاع الزراعي.

المؤسسات المالية:
هي منشأة أعمال تتمثل أصولها في أصول مالية مثل القروض والأوراق المالية ، بدلا من المباني و الآلات و المواد الخام، والتي تمثل الأصول في الشركات الصناعية ، كذلك تتمثل خصومها في خصوم مالية مثل المدخرات و الودائع بأنواعها المختلفة، وتعتبر المؤسسات المالية حيوية للاقتصاد ، لذلك تعتبر أحد المكونات الأساسية لنمو الاقتصاد.(عبد الكريم 2008 /انترنت)
أنواع المؤسسات المالية :
يمكن تقسيم المؤسسات المالية إلى مجموعتين:
الأولى : المؤسسات المالية التي تقوم بدور الوساطة المالية من خلال قبول الودائع أو المدخرات وتقديم القروض .
الثانية : المؤسسات المالية التي لا تقوم بدور الوساطة المالية (عبد الكريم 2008 /انترنت)

البنوك:
(يرجع الأصل التاريخي لظهور البنوك الى استحداث النقود الورقية كوسيلة للتبادل فيما بين الأفراد ، ومع تطور وتوسع عملية التبادل سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي تطورت أنشطة البنوك لتغطي الاحتياجات المستجدة لمثل هذه الأنشطة كوسيلة من وسائل تسهيل والى أصل الكلمة الايطاليةbanqueعملية التبادل.. وترجع كلمة بنك إلى أصل الكلمة الفرنسية banca
وتعنى هاتين الكلمتين صندوق متين لحفظ النفائس ). (انترنت/ السوندي/موقع العلوم المصرفية والمالية).

ويرى الباحث ان في النص اعلاه ما يشير الى الامان في حفظ الودائع ، وهذا الامان لا تختص به الصناديق التنموية في العادة لانها غير معنية بحفظ الودائع ، الا في حالات صناديق الأجيال (التي تودع فيها بعض من الايرادات في الدول النفطية لضمان حقوق الاجيال القادمة ).

المصارف :
أما (أصل كلمة مصرف - بكسر الراء- في اللغة العربية فانه مأخوذة من الصرف بمعنى بيع النقد بالنقد و يقصد بها المكان الذي يتم فيه الصرف, أما سبب ارتباط هذه الكلمة بالأعمال المصرفية فلأن الصارفين اللمبارديين(قبيلة من أصل اسكندنافي حكمت ايطاليا) كانوا يستعملون مناضد خشبية لممارسة أعمالهم في أسواق بيع و شراء العملات المختلفة و ذلك في أواخر القرون الوسطى).
Conseil D'Analyse economique(facebook)

(ان المصرف مؤسسة ذات نشاط معين يتمثل في (الوساطة) المالية ، أو بعبارة أوضح هو وسيلة التعامل في القروض على اختلاف انواعها، فالمصرف يقترض من مجموعة من أفراد المجتمع ، ثم يقرض الأموال المودعة لديه لمجموعة اخرى من الأفراد ، او استثمارها في شتى أوجه الاستثمار ، وتؤول اليه في النهاية الأرباح المترتبة على عمليتي الاقراض والاقتراض . غير ان المصارف تحصل على رؤوس اموال من المساهمين في مبدأ الأمر ، ولكنها تعمد بعد ذلك الى توسيع دائرة الاقراض والاقتراض باستخدام الودائع التي تتسلمها من الأفراد المتعاملين معها.
غير انه اذا كانت هذه هي طبيعة نشاط المصارف التجارية التي تستخدم أموال المساهمين ، فضلا عن اموال المودعين ، في منح القروض على اختلاف انواعها ، قصيرة او متوسطة أو طويلة الأجل بغرض تمويل المحاصيل الرئيسية وتيسير المعاملات التجارية ، فان المصارف المتخصصة هي الاخرى تمنح عملاءها القروض . اذ نجد ان المصارف الصناعية تمنح الائتمان الصناعي ، والمصارف الزراعية تمنح الائتمان الزراعي ، والمصارف العقارية تمنح الائتمان العقاري ، كما ان القروض التي تمنحها هذه المصارف المتخصصة قد تكون قروضا قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل.(عمر/مباديء المعرفة الاقتصادية 1989:ص 305 ).
وبناء عليه يرى الباحث ان: المصارف المتخصصة هي مؤسسات مالية تنشأ لخدمة قطاع معين من قطاعات الإنتاج ( الزراعي – العقاري – الصناعي)عن طريق عمليات الائتمان.

البنوك الزراعية :
هي البنوك التي تقدم خدماتها الى القطاع الزراعي ، عن طريق تمويل وشراء البذور والتقاوى ، والاسمدة والمبيدات واستثجار الآلات الزراعية والمساهمة في تنمية الثروة الحيوانية ، وبما ان هذه الخدمات الزراعية تعتمد على دورات موسمية ، تكون فترات التمويل قصيرة الأجل أو متوسطة الأجل ومرتبطة بالمواسم الزراعية . (عبد الله والطراد 2006 : دار وائل للنشر).

الصناديق التنموية :
مقابل ذلك هنالك مايسمى بالصناديق التنموية المتخصصة ، وهذه الصناديق تعمل بموجب دعم حكومي ، تكون وظيفتها منح القروض لقطاع بعينه بهدف الدعم الاقتصادي وهي لا تمارس عمليات الصيرفة الشاملة ، انما يقتصر عملها على عملية التمويل كما في صندوق الاسكان الذي تم استحداثه مؤخرا في البلاد بتمويل سنوي من الموازنة العامة، وتنتشر هذه الصناديق في دول عديدة في مقدمتها المملكة العربية السعودية ، التي يعمل فيها عدد من الصناديق منها:
(* صندوق التنمية الصناعية السعودي: ومهمته تقديم القروض الميسرة المتوسطة والطويلة الأجل لمشاريع القطاع الخاص الصناعية، إضافة إلى تقديم المشورة في المجالات الإدارية والمالية والفنية والتسويقية لتلك المشاريع؛ كما يسعى الصندوق لتحقيق أهداف استراتيجية، ومنها: إحلال المنتج الوطني محل الواردات، وتعزيز الصادرات غير النفطية، وإيجاد فرص وظيفية بتشجيع توظيف العمالة الوطنية، واستغلال المواد الخام المحلية ما أمكن...

*صندوق التنمية العقارية: ومهمته تقديم قروض حسنة للمواطنين؛ لمساعدتهم على إقامة مساكن خاصة لهم، كما أنيط به مهمة توزيع الوحدات السكنية بمشاريع الإسكان التي نفذتها وزارة الأشغال العامة والإسكان في عدد من المناطق.

*صندوق الاستثمارات العامة: ومهمته توفير التمويل لبعض المشروعات الإنتاجية التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها منفردا، ويختص الصندوق في تمويل الاستثمار في المشاريع الإنتاجية ذات الطابع التجاري، سواء المشاريع المملوكة كلياً أو جزئياً للحكومة، وقد انتفعت عدد من القطاعات الاقتصادية في المملكة بتمويل صندوق الاستثمارات العامة، مثل: إقامة المصافي البترولية للتكرير، وقطاع النقل، وتمويل أسطول الطائرات لنقل الركاب والشحن، وصناعات البتروكيماويات، والمشاريع الاستراتيجية المملوكة من القطاع الخاص، وقطاع الطاقة وتحلية المياه المالحة، وقطاع التعدين، وقطاع تقنية المعلومات، كما يقوم الصندوق بالمساهمة في رؤوس أموال عدد من الشركات الوطنية والعربية والدولية، ومن الشركات التي ساهم في تأسيسها: الشركة السعودية للخطوط الحديدية، وشركة العلم لأمن المعلومات، وشركة السوق المالية (تداول)، والشركة السعودية لتبادل المعلومات إلكترونياً (تبادل) ... إلخ). (القاسم2011 :جريدة الاقتصادية السعودية).

المصرف الزراعي التعاوني :
وبناء على ما تقدم يرى الباحث في المصرف الزراعي التعاوني : مؤسسة مالية تنموية معنية بدعم القطاع الزراعي تمارس العمليات الخاصة بالنقود من ايداع و استبدال و استثمار و اقراض في نطاق متخصص من أجل توفير الائتمان اللازم لتدبير احتياجات الزراعة وتعظيم الإنتاج الزراعي وعلى هذا الاساس فان هذه المؤسسة المالية ، معنية باستقطاب الجمهور العامل في القطاع الزراعي – من أفراد ( فلاحين أو مزارعين ) ومن شركات – لتقديم جميع التسهيلات المصرفية لهم بما يخدم التنمية الزراعية وتطوير الواقع الريفي.

المحور الثاني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدلالات التاريخية للتداولات المالية في المصرف الزراعي
تشير وثائق المصرف الزراعي الى ان المزارعين في العراق – بعد الحرب العالمية الأولى – كانوا تحت رحمة المرابين ، اذ كانوا يقبلون بما يفرضه هؤلاء عليهم من شروط دون اعتراض بسبب حاجتهم الماسة للمال ، وعلى الرغم من سوء حال الزراعة وفداحة الشروط التي يضعها المرابون ، ما كانت الحكومات تهتم بهذه الناحية الخطيرة ، الا عندما تكررت الكوارث والأفات التي تصيب الزراعة ، متمثلة بفيضانات الأنهار واحتباس الأمطار ، وهجوم اسراب الجراد ، أو اصابة المحاصيل بالحشرات الفتاكة ، عند ذاك أصدرت قوانين خاصة تخول وزير المالية سلطة منح قروض لمزارعي المناطق المتضررة فقط ، فاذا تبين لها فيما بعد ان بقايا هذه القروض لا يمكن استيفائها ، عمدت الى اصدار قوانين خاصة بشطب بقايا هذه القروض .
وشيئا فشيئا ، أخذت الرقعة الزراعية تتزايد وزادت حاجة المزارعين الى المال ، فعمدت الحكومة – في ذلك الوقت - الى تطوير هذه المساعدات ، اذ خصصت مبلغا كبيرا من المال ، أودعته في البنك الشرقي ( ايسترن بنك ) ليقوم بعملية تسليف المزارعين مقابل أن تضمن – وزارة المالية – دفع المبالغ التي لايمكن ردها له فيما بعد .. ومع ذلك كان المرابين على وشك أن يستولوا على القسم الأكبر من أملاك المدينين .. ( التقرير السنوي عن اعمال المصرف الزراعي للاعوام 1959 ، 1960 ، 1961 ).

وبناء على ماتقدم قامت الحكومة بتشريع قانون خاص تم بموجبه تأسيس المصرف الزراعي الصناعي العراقي رقم (51) لسنة 1935 ودخل القانون حيز التنفيذ في 17/شباط/1936- ويلاحظ هنا ان هذا المصرف تم تأسيسه قبل كل المؤسسات المالية في الدولة العراقية الحديثة .. ما يشير الى الأهمية البالغة التي يطلع بها .. وفي العام 1940 صدر قانون المصرف الزراعي رقم (18) لسنة 1940 لفك الارتباط بينه وبين المصرف الصناعي ، وتم فك الارتباط فعليا في 1/4/1946 ، وبناء على هذا التطور سن نظام جديد وقواعد جديدة للتسليف الزراعي ، ولطبيعة عمل المصرف الزراعي .
ان التدخل الحكومي منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة جاء من خلال مساعدة الفلاحين والمزارعين من جشع المرابين وقساوة الظروف المناخية والتقلبات البيئية التي تتعرض لها فعالياتهم الزراعية ، فكانت الكوارث والآفات التي تصيب الزراعة دافعا لانتشال هذا القطاع من التداعيات التي تؤدي الى نتائج وخيمة على الاقتصاد الكلي ، باعتبار ان هذا القطاع يشكل العمود الفقري لكيان الدولة الاقتصادي ، وهذه الدالة التاريخية تدفعنا للاشارة الى تدخل الدولة الحديثة لدعم القطاع الزراعي حتى في أعتى دول العالم تبنيا لنظام اقتصاد السوق وليبرالية رأس المال ، اذ تشير الاحصائيات الى أن حكومات الولايات المتحدة واستراليا وهما من أكثر دول العالم انتاجا في القطاع الزراعي يقدمان الدعم لهذا القطاع بما لايقل عن 50% من قيمة رأس المال الداخل في عمل هذا القطاع سنويا .
أما تشريع قانون 51لسنة 1935 الذي تم بموجبه تأسيس المصرف الزراعي الصناعي ، فقد جاء بعد أن اقتنع القائمون على الشأن المالي والزراعي في ذلك الوقت ، بأن المال الذي أودعته الحكومة في البنك الشرقي ( ايسترن بنك ) لتسليف المزارعين لن يشكل الا محورا من محاور الدعم العديدة ، بعد أن أخذت الرقعة الزراعية بالتزايد والتزمت وزارة المالية بتسديد ديون المستلفين الى البنك المذكور في حالة عدم قيام المزارعين بالتسديد ، بالاضافة الى أن رأس المال اذا ما أريد له أن يستثمر بنجاح في عمليات الاقراض فلابد من ان تكتمل دورته وتتكرر لتحقيق أقسى ما يمكن من الفائدة علاوة على صدور قانون رقم (18)لسنة 1940 لفك ارتباط المصرف الزراعي عن المصرف الصناعي بعد أربع سنوات من مباشرة المصرف لأعماله ، وقبل أن يتم تأسيس أي مؤسسة مصرفية أخرى في البلاد ، والذي يؤشر للأهمية البالغة التي يطلع بها هذا الكيان المالي المصرفي منذ ذلك التاريخ ..

وحين صدر قانون المصرف الزراعي رقم 56 لسنة 1959 ، ورد فيه الآتي :
- تأسيس صندوق توفير للمزارعين لتعويدهم على الادخار وتعاطي عمليات السحب والايداع
- قبول الودائع النقدية بدون فائدة أو بفائدة يقررها مجلس الادارة
القيام بالخدمات الأخرى ذات المساس المباشر بالشؤون الزراعية بتكاليف من الجهات الحكومية المختصة وفقا للاتفاق الذي يتم معها. ( التقرير السنوي عن اعمال المصرف الزراعي للاعوام 1959 ، 1960 ، 1961) .

وجاء في المادة التاسعة عشرة من النظام الداخلي لسنة 1975 : لمجلس الادارة أن يقرر انشاء صناديق توفير يودع فيها المزارعون ما يريدون اداخاره من نقودهم أو من مبالغ القروض الزراعية التي تقرر لهم ، أو الدفعات التي يقرر المصرف صرفها للمقترضين لقاء فائدة سنوية يحدد المجلس سعرها وطريقة احتسابها .
وتدار شؤون صناديق التوفير وفقا لتعليمات يضعها المجلس من وقت لأخر حسب ما تقتضيه المصلحة. (النظام الداخلي للمصرف الزراعي/ الوقائع العراقية / 1998 ).

وهذه الدلالات تؤشر الى حتمية أملتها ظروف العمل لهذه المؤسسة المالية لمواكبة التطورات الاقتصادية في البلاد واعطاء الديمومة لنشاطها .. وهذا الأمر أوكله النظام الداخلي المعدل للمصرف الزراعي والمنشور في الوقائع العراقية في 24/4/1975الى مجلس ادارة المصرف ، مما يعني ان هذه الترخيصات التي تمليها ظروف العمل ، كانت والمصرف الزراعي مؤسسة اقراضية تابعة لوزارة الزراعة ، وليس مؤسسة مالية تابعة لوزارة المالية ، حيث يفترض أن تتمتع ( بوصفها مصرف ) بكل ما تتمتع به المصارف الحكومية الأخرى وبما يرتئيه مجلس الادارة لتحقيق أهداف المصرف .. ومما تجدر الاشارة اليه هنا أشار التقرير السنوي للمصرف لعام 1960 صفحة 25 الى( ان المقترضين يتلكؤون في التسديدات اعتقادا منهم - ان المال مال الحكومة - جراء عدم معرفة هؤلاء لحقيقة عمل هذه المؤسسة المستقلة عن مالية الدولة مما أثر سلبا على نشاطات المصرف ) وهذه النظرة لا زالت قائمة الى يومنا هذا .

وحين جمدت السياسة الاقراضية للمصرف في العام 1994بدواع زيادة دخول المزارعين ، كانت الدوافع السياسية التي أملتها ظروف المرحلة وطبيعة السلوك السياسي للنظام السابق وراء القرار ، بحيث اقتصر عمل المصرف على تقديم ما يسمى بالقروض التنموية التي خضعت الى توجيهات مركزية استفاد منها زبانية النظام ، الأمر الذي أدى الى تجميد عمل المصرف والاضرار بالدور الذي كان يقوم به .
وجراء ما أصاب المصرف من أضرار نتيجة تجميد السياسة الاقراضية الزراعية ، سعت ادارته الى ممارسة أعمال الصيرفة الشاملة فكان لها ذلك في العام 1996 ومن ذلك التاريخ لغاية العام 2010 امتلكت كوادر المصرف العديد من الخبرات في العمل المصرفي التجاري ما يؤهلها للاستمرار في عمل الصيرفة التجارية في نطاق القطاع الزراعي .. وحين تم تسجيل شركة عامة بأسم المصرف الزراعي التعاوني في العام 1998 استنادا لأحكام المادة (6 ) من قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997 تم تسجيلها على وفق بيان تأسيس الشركة الذي أشار في المادة ثانيا الى (ان هذه الشركة تهدف الى المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني .... عن طريق ممارسة وظائف مصارف الاستثمار ).
ويرى الباحث بناء على ما تقدم ، ان المصرف الزراعي التعاوني تأسس واستمر ثم تطور في عمله لدعم القطاع الزراعي والاقتصاد الوطني ، وقد حرص أن يمارس أعماله وفي مختلف المراحل بوصفه مؤسسة مصرفية بامتياز وليس مؤسسة اقراضية وحسب . وهو يمتلك – الآن - الأرضية الصلبة للتوسع في نشاطاته وتداولاته المالية في اطار القطاع الزراعي ، خاصة وان البلاد ازاء تحول باتجاه اقتصاد السوق ، ويمتلك من الخبرات والطاقات الشبابية ما يؤهله لممارسة أعماله التخصصية بانفتاح مالي حداثوي ، لان الصيرفة التخصصية ليست انفصال عن الصيرفة الشاملة اذ انها تمارس التداولات أيضا.

المحور الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلالات سعر الفائدة في عمل المصرف الزراعي
تسعى كل المؤسسات المالية في العالم من خلال تعاملاتها لتعظيم الأرباح حتى وان كانت مؤسسات مالية تنموية في النظم السياسية الشمولية ، حيث تضع هذه الأخيرة هامشا ربحيا على ما تقدمه من خدمات لتغطية كلفها الادارية و التي تسعى اليها بغية اعطاءها الديمومة في العمل.
ومنذ تأسيسه في العام 1935 ولغاية يومنا هذا والمصرف الزراعي يعتمد كليا على موارده الذاتية لأغراض التمويل وتغطية الكلف الادارية ، وبالتالي فان هذه المؤسسة المالية لم تكن في يوم من الأيام ( صندوق ) للتنمية الزراعية ، وانما هي ( مصرف ) متخصص في القطاع الزراعي وقد جاء في التقرير السنوي للمصرف للأعوام 1959 – 1960 – 1961: صفحة 45 :

( لما كان المصرف الزراعي يعتمد في تعاملاته وتوسيع مجالات نشاطه على ما يتوفر لديه من امكانيات مالية ، فان تدبير ما يحتاج اليه من مال يتوقف على فوائد القروض التي يتقاضاها من المستلفين ، فبعد أن كان سعر الفائدة 7% سنويا منذ قيام المصرف حتى يوم /21/8/1952 و6% سنويا حتى يوم 17/12/ 1953أصبح 5% سنويا ، وكان المصرف ولا زال راغبا في تخفيض سعر الفائدة ، الا ان نفقاته الادارية المتزايدة نتيجة لتوسعاته في فتح الفروع وكثرة عدد موظفيه التي تقتضيها خدمة المزارعين في شتى أنحاء البلاد ، كانت قد وقفت حائلا دون ذلك ، ومع هذا فان المصرف ورغبة منه في تشجيع صغار المزارعين قد فرق بين سعر الفائدة للقروض الزراعية التي يمنحها ، اذ جعلها على الوجه التالي : 5% سنويا للقروض الزراعية المختلفة و4% سنويا للقروض الممنوحة لتجارة الأقطان و 3% سنويا على القروض الممنوحة بضمانة الحكومة . (التقرير السنوي للاعوام 1959 ، 1960 ، 1961 ص 45 ).

ولما كان المصرف لا يسلف الا لقاء ضمانة ، فان صغار المزارعين الذين ليس لهم الضمانات العينية الكافية ، ما كان بامكانهم الاستفادة من خدمات المصرف الزراعي ، ولذلك فقد عمد المصرف الى أن يكون تسليف هؤلاء عن طريق ضمانة الحكومة) ( التقرير السنوي للسنوات 1959-1960-1961 ص 15 )

الا ان مجلس ادارة المصرف وفي 11/9/1960 أعاد النظر في هذا السعر بعد أن وجد ان السعر الذي يتقاضاه على القروض التي يمنحها بضمانة الحكومة أو التي تمنح لسلف تجار الأقطان ، سعر قليل ولا يتناسب مع وضع المصرف المالي ومع ما يدفعه المصرف من سعر مرتفع للقروض التي يعقدها مع البنك المركزي ، لذلك قرر المجلس في ذلك الوقت توحيد سعر الفائدة وجعله 5% سنويا على جميع أنواع القروض التي يقدمها دون تفريق .(نفس المصدر السابق)

جدول رقم (1)
معدل سعر الفائدة خلال الفترة من 1935 الى ما بعد العام 1960 (اعده الباحث)

معدل سعر الفائدة الفترة الزمنية
7% منذ العام 1935 حتى 21/8/1952
6% منذ 21/8/1952 حتى 17/12/1953
5% منذ 17/12/1953 حتى ما بعد عام 1960

وكان المصرف ولا زال راغبا في تخفيض سعر الفائدة ، الا ان نفقاته الادارية المتزايدة نتيجة لتوسعاته في فتح الفروع وكثرة عدد موظفيه التي تقتضيها خدمة المزارعين في شتى أنحاء البلاد ، كانت قد وقفت حائلا دون ذلك(نفس المصدر السابق)

وبسبب عدم توفر الوثائق، اعتمدنا مديرة شعبة الدراسات/قسم التخطيط والعمليات المصرفية في الادارة العامة للمصرف، التي أكدت لنا "ان نسبة الفائدة على القروض قصيرة الأجل كانت تتراوح مابين (4% الى 16% ) خلال الأعوام مابين 1980 الى العام 1996 ".

ومن خلال جداول أسعار العمليات المصرفية السنوي للمصرف الزراعي التعاوني استطعنا تشكيل الجدول رقم 2 (أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للسنوات 2000 حتى 2014) الذي يبين ارتفاع معدلات سعر الفائدة خلال هذه السنوات للقروض الممنوحة (قصيرة ، متوسطة ، طويلة) بهدف زيادة هامش الربح دون الأخذ بنظر الاعتبار الدور التنموي لهذه القروض.. فيما جاءت قروض المبادرة الزراعية في 1/8/ 2008 لتمنح في باديء الأمر بنسب فائدة 2% وبنسب مساهمة 100% ثم يتم الغاء الفائدة نهائيا لتمنح قروض المبادرة الزراعية دون فوائد من منتصف العام 2009 حتى العام 2014 ، لينحسر على اثر ذلك الاقبال كليا على قروض المصرف الزراعي من موارده الذاتيه، حتى العام 2012 حيث تم تدارك الامر فتضمن قانون الموازنة العامة 2012 نصا يتم بموجبه منح قروض المصرف من موارده الذاتية بدون فوائد على ان تقوم وزارة المالية بدفع الفائدة البالغة 6% للمصرف الزراعي وهكذا بالنسبة للعام 2013 ..أما في العام 2014 الذي لم تقر فيه الموازنة ، قام المصرف بمنح القروض من موارده الذاتية بنسبة فائدة 10% للقروض القصيرة ، و12% للقروض الطويلة..ما يعني ان ثمة تخبط يتراوح بين الافراط والتفريط (فلا هو مصرف تنموي عن وجه فيمنح القروض للعاملين في القطاع الزراعي بنسب فائدة أقل من القروض التجارية التي تمنحها المصارف التجارية ولا هو صندوق للدعم من جهة أخرى فينحصر اداءه على القروض التي تستهدف قطاعا ما بهدف تطويره كما في صندوق الاسكان ).
جدول رقم (2)
أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للسنوات 2000 حتى 2014
القروض
السنة قصيرة الاجل متوسطة الاجل طويلة الاجل
2000 20% 23% 25%
2001 18% 21% 22%
2002 14% 15% 16%
2003 14% 15% 16%
2004 14% 15% 16%
2005 14% 15% 16%
2006 12% 12% 14%
2007 14% 15% 16%
2008 14% 15% 16%
2009 12% 13% 14%
2010 12% 13% 14%
2011 8% - 12%
2012 8% - 12%
2013 10% - 12%
2014 10% - 12%

وفي دراسة أعدت في المصرف الزراعي وقدمت الى هيئة المستشارين في تشرين الثاني من العام 2007 تحت عنوان ( وسائل الارتقاء بالواقع الزراعي ودور المصرف الزراعي في تحقيق ذلك ) تمت الاشارة الى ضرورة ايجاد المعالجات الأنية لواقع التردي الذي أصاب القطاع الزراعي ، واقترحت الكثير من المعالجات ، وكان من أبرزها تقديم قروض مدعومة للعاملين في القطاع الزراعي وبنسب مساهمة عالية ، فكانت تلك الدراسة – التي ساهمت في بلورة مشروع المبادرة الزراعية - التي قدمتها هيئة المستشارين الى مجلس الوزراء ، وتم اعتمادها لينطلق العمل بمبادرة الحكومة الزراعية - ونجم عن ذلك ان أصبحت حلقة الاقراض التي تولى تنفيذها المصرف الزراعي هي الأبرز من بين حلقات المبادرة الزراعية الأخرى وذلك لارتباطها بجمهور العاملين في القطاع الزراعي بشكل مباشر ولكون القروض تقدم دون أية فائدة تذكر، وبنسب مساهمة تتراوح بين 80 الى 100% من قيمة المشروع ، فكان الاقبال عاليا على هذه القروض ومقابل ذلك انحسر الاقبال على قروض المصرف الزراعي التي تمنح بنسب فائدة تتراوح بين 14 الى 16% ، واكتفي المصرف ب2% من قيمة القرض تضمنها له تخصيصات صناديق المبادرة لتغطية الكلف الادارية ، وفي الواقع العملي ان الكلف الادارية لعمل المصرف الذي ازدادت مكاتبه يوم بعد آخر ضمن خطة تستهدف فتح أكثر من 60 مكتبا بغية ايصال الخدمة لأبعد منطقة زراعية في عموم الأقضية والنواحي - لا تغطيها نسبة بأقل من 6% من قيمة القرض .. ولكن المصرف استمر في تنفيذ قروض المبادرة ، اعتمادا على نشاطاته الأخرى ضمن تداولات الصيرفة الشاملة . (دور المصرف الزراعي في تحقيق التنمية الزراعية / الموقع الالكتروني للمصرف).

من جانب آخر تضمن قانون الموازنة العامة للعام 2015 ، نص غير كامل مفاده: (يكون الاقراض من المصرف الزراعي والمصرف العقاري والمصرف الصناعي وصندوق الاسكان بفائدة قدرها 2 بالمئة ) (موازنة 2015 المادة 18 أولا) دون الاشارة الى ما ستتحمله وزارة المالية بشأن الفارق في نسبة الفائدة البالغة 6 بالمئة والتي تضمنتها الموازنات السابقة، لأن 2 بالمئة لا يمكن أن تغطي الكلف الادارية لعمل هذه المصارف، فكيف لها ان تحقق هامشا ربحيا لتمويل عملها بوصفها شركات عامة ممولة ذاتيا.(أبو ميسم /مقال في جريدة الصباح/ 1/2/2015 : ص آراء)

وبناء على ماتقدم ، فان سعر الفائدة وعلى مدى سنوات عمر المصرف ، كان هو المرتكز لاعطاء الديمومة في العمل ، ولكن الكلف الادارية كانت تزداد بازديد النشاطات والخدمات التي يقدمها المصرف فكانت التداولات المالية الأخرى هي المصدر لاعطاء هذه الديمومة واذا ما امتنع المصرف عن ممارسة هذه التداولات وهو يتوسع في خدماته من اجل ايصال قروض المبادرة الزراعية الى أبعد نقطة في الريف العراقي ، فانه سيكون معرضا للعجز المالي في تمويل الكلف الادارية ، حتى اذا تم تمويل 4 من مجموع الفائدة البالغة 6% من قروض المصرف الذاتية بحسب ما نص عليه قانون الموازنة العامة للعام 2015 على اعتبار ان المستلف ملزم بدفع 2% فان بقاء المصرف في الساحة المصرفية مهددا لمجرد توقف العمل بقروض المبادرة الزراعية - حيث ينتقل الاقتصاد العراقي شيئا فشيئا باتجاه تداولات اقتصاد السوق التي تنسحب فيه يد الدولة من حركة السوق وتكف عن الدعم باتجاه خصخصة الشركات العامة – حينها سيكون المصرف الزراعي مرشحا لأن يغلق أبوابه ، على اعتبار ان المرحلة الحالية والمقبلة ، هي مرحلة التكيف التي يمر بها الاقتصاد الكلي باتجاه التحول وهي مرحلة تكيف بالنسبة للقطاع المصرفي أيضا ، ويرى الباحث ان ما من سبيل سوى مواكبة هذا التكيف من خلال تنفيذ مفردات عملية اعادة الهيكلة التي رسمتها المؤسسات العالمية المعولمة ( بكسر اللام ) والتي أملت على الاقتصاد العراقي مفردات للاصلاح ، والذي يأتي في مقدمتها الاصلاح المصرفي .. والمصارف التي لا تستطيع مواكبة الوقت لانجاز الاصلاحات والتكيف باتجاه المرحلة الجديدة ، ستكون لا محالة مرشحة للدمج أو للالغاء .

المحور الرابع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التداولات المالية للمصرف الزراعي مع القطاعات الأخرى
المصارف المتخصصة هي مؤسسات مالية تنشأ لخدمة قطاع معين من قطاعات الإنتاج ( الزراعي – العقاري – الصناعي ) .. ولكن هل يعني ذلك ان التداولات المالية لهذه المصارف ستدور في نطاق القطاع الذي تتخصص به وحسب ؟ وهل يعني ذلك أن لا يمكن لهذه التداولات أن تنسحب للقطاعات الاقتصادية الأخرى ؟ وللاجابة على هذا السؤال ، لابد من فهم الوظيفة التخصصية لهذه المصارف ، مسبقا .. فالمصرف الزراعي مثلا ستكون نشاطاته المالية وتداولاته في نطاق القطاع الزراعي من أجل دعم هذا القطاع .. ولكن هل يراد لهذه المؤسسة المالية أن لا تمارس جميع التداولات المالية حتى لا ينسحب عملها الى منطقة الصيرفة التجارية وحسب ؟

المعروف أن هذه المؤسسة المالية حين تمارس التداولات المالية في القطاع الزراعي فانها تسعى لأن تقدم خدماتها لجميع العاملين في هذا القطاع ولجميع الأغراض الزراعية الداخلة في العملية الزراعية أو الساندة لها، وهذا التفرد سيمنح هذه المؤسسة المالية الفرصة التي لا تمتلكها المصارف التجارية للهيمنة على تداولات كل حلقات هذا القطاع من مؤسسات وشركات وأفراد – ولأن هذا القطاع لا ينفصل عن مشهد الاقتصاد الكلي ويشتبك مع كل القطاعات في كثير من المفاصل ، فان تداولاته ستنسحب حتما الى مساحة القطاعات الأخرى .
وان كلمة (تخصص) تعني منح المزيد من الفرص لهذا المصرف لاحتكار تداولات قطاع حيوي في الاقتصاد الوطني بما سيقدمه من تسهيلات وامتيازات للعاملين في القطاع الزراعي دون عن المصارف التجارية ؟ ومن هذا المنطلق يرى الباحث ان كلمة (تخصص) تلغي سمة انكماش التداولات المالية لهذه المؤسسة وليس العكس.

ان نقطة الاشتباك في فهم الوظيفة التخصصية تكمن في تعاطي المصرف مع مفردات لها صلة غير مباشرة بالقطاع الزراعي .. ومن هنا فان فعاليات التداول المالي التي تقوم بها أية مؤسسة مالية متخصصة لا تعني بالضرورة انها لا تتعاطا مع فعاليات وتداولات المؤسسات المالية التي تعمل في القطاعات الأخرى .

وفي هذا السياق ندرج هنا نماذج من التعاملات الرسمية والتي تشير وبلا أدنى شك الى ارتباط فعاليات العمل التخصصيفي في المصرف الزراعي بشكل مباشر أو غير مباشر بالفعاليات القطاعية الأخرى :

1- الشركة العامة لتجارة الحبوب وهي شركة تابعة لوزارة التجارة ، تحتاج لاشغال حسابات جارية في فروع المصارف القريبة من فروعها العاملة في المحافظات لغرض صرف أقيام محاصيل الشعير والحنطة والذرة الصفراء المسوقة من قبل الفلاحين والمزارعين .. وهذا النموذج من التداول يشير الى علاقة مباشرة بالقطاع الزراعي ( حيث ان الحساب الجاري المشار اليه له علاقة مباشرة بالفلاحين والمزارعين ، مع ان الجهة القطاعية التي تؤيد اشغال الحساب الجاري تابعة لوزارة التجارة ، وقد يعتقد البعض وفق استنتاج آخر، ان من المفترض أن تشغل حسابات جارية في المصارف التجارية على اعتبار ان الجهات المودعة للمبالغ تابعة لوزارة التجارة ، فيما يكون الجمهور المستهدف بالخدمة هو جمهور الفلاحين والمزارعين).

2- اذا ابتعدنا قليلا عن القطاعات التي لها مساس مباشر بالقطاع الزراعي ، فان شركة توزيع المنتجات النفطية – هيئة توزيع بغداد ( مثلا ) نموذجا جيدا لهذا الابتعاد ، الا ان هذه الهيئة والتي لها مستودعات نفطية عديدة منتشرة في عموم العاصمة بغداد ، تقوم ومن خلال مستودعاتها بتجهيز المزارعين أصحاب الساحبات والمضخات الزراعية ومنتجي الدواجن بالوقود وبشكل مباشر ، وبالتالي فانها ( أي المستودعات ) ضرورية للغاية لديمومة النشاط الزراعي ، ومن ثم فان فتح الحسابات الجارية والتداول المالي مع مثل هكذا مؤسسات يصبح في صميم عمل المصرف الزراعي الذي يهدف الى تقديم الخدمات المصرفية لجميع حلقات القطاع الزراعي بما فيها تلك الساندة للعملية الزراعية .

3- أما بخصوص الخدمات التي تقدمها فروع المصرف الزراعي في الأقضية والنواحي – وهي مناطق يقطنها الفلاحون والمزارعون وتصنف على انها مناطق زراعية بامتياز – فان من الواجب أن تكون هذه الخدمات شاملة لكل مفردات الحياة فيها ، لان الارتقاء بالواقع الريفي جزء من اهداف المصرف الزراعي، فكيف الحال اذا ما كانت هذه الأقضية أو هذه النواحي تفتقد لفروع المصارف التجارية ، وان فرع المصرف الزراعي هو الوحيد الذي يقدم خدماته المصرفية في مثل هكذا مناطق، اذا علمنا ان من أهداف الجهات والمؤسسات الداعمة للعملية الزراعية ( ومنها المصرف الزراعي ) هي الارتقاء بمستوى الخدمات في الريف لتشجيع الفلاحين في العودة الى مناطقهم، ومادامت المؤسسات ( الخدمية والتربوية والصحية )التي تقدم خدماتها للنواحي والأقضية في المناطق الزراعية بحاجة لخدمات مصرفية بهدف صرف رواتب العاملين فيها واجراء التحويلات لتخصيصاتها المالية، فان العلاقة المتبادلة بين المصرف والمستهدفين بخدماته ستكون مباشرة.. وبالتالي فان من واجب المصرف الزراعي وفروعه المنتشرة في عموم الأقضية والنواحي تقديم خدمات الصيرفة الشاملة للجمهور وللمؤسسات التي تخدم هذه التجمعات السكانية .

ويرى الباحث : ان مشهد الاقتصاد الكلي تتشابك فيه التداولات المالية القطاعيه وتتكامل في كثير من الحلقات الأمر الذي يقتضي فك الاشتباك المفاهيمي المتعلق بالعمل التخصصي الذي يهدف الى تكثيف الفعاليات التخصصية لدعم ذلك القطاع وتعظيم الفائدة المتبادلة ، وليس الانكماش على فعاليات محددة خارج نطاق التبادلات المالية في مشهد اقتصاد السوق.

الاستنتاجات التي توصل لها الباحث :

1- يتلخص هدف المصرف الزراعي التعاوني منذ تأسيسه في العام 1935 والى يومنا هذا في دعم القطاع الزراعي حيث تدرّج في عمله وتطور بتطور الحياة في الدولة العراقية وهو في المنظور العام مؤسسة مالية تنموية معنية بدعم القطاع الزراعي تمارس العمليات الخاصة بالنقود من ايداع و استبدال و استثمار و اقراض في نطاق متخصص من أجل توفير الائتمان اللازم لتدبير احتياجات الزراعة وتعظيم الإنتاج الزراعي ولكن من خلال عمليات الصيرفة الشاملة التي لايمكن تحقيق أهداف المصرف التنموية دونها.

2- بموجب التحول الذي يشهده الاقتصاد العراقي باتجاه اقتصاد السوق ، فان المصرف الزراعي التعاوني معني وفي هذا الوقت بالذات في اداء وظيفته الرئيسية للارتقاء بالواقع الزراعي بجانب التأسيس لمواكبة عملية التكيف الاقتصادي من خلال برنامج اعادة الهيكلة ، لأن الدعم الحكومي للقطاع الزراعي – وفي حلقة الاقراض تحديدا - ربما سينحسر خلال السنوات أو العقود المقبلة.

3- تعرض المصرف الى ضرر بالغ بسبب الاقبال على قروض المبادرة الزراعية (خلال السنوات 2008 – 2009 – 2010 – 2011 حيث توقف الاقبال كليا على قروض الموارد الذاتية بسبب منح قروض المبادرة الزراعية دون فوائد، ثم عاد الاقبال بعد ان دعمت قوانين موازنات السنوات اللاحقة المصرف الزراعي عبر منح نسبة 6% لقروض الموارد الذاتية من خزينة الدولة على أن تمنح دون فوائد للفلاحين).

3- في الوقت الذي يقوم فيه المصرف بتقديم قروض المبادرة الزراعية للمستهدفين بها والتي أضرت بنشاطات المصرف الائتمانية الأخرى التي تعظم الأرباح ، كان عليه خلال سنوات توقف منح قروض الموارد الذاتية أن يغطي الكلف الادارية المتعاظمة جراء فتح المزيد من الفروع والمكاتب لايصال قروض المبادرة ، ما يؤكد حاجة هذا الكيان المالي لممارسة نشاطات الصيرفة الشاملة.

التوصيات:
1- بناء على ما جاء في الاستنتاجات (2) فان على ادارة المصرف أن تؤثث لمؤسسة مالية بموجودات نقدية تؤهلها الخوض في النظام المالي الجديد الذي يتجه نحوه النظام المصرفي العراقي ، من خلال ممارستها لنشاطات الصيرفة الشاملة التي لا تتقاطع وأهداف المصرف التنموية وانما تنسجم مع تلك الأهداف .

2- ما دام المصرف الزراعي يمتلك الأدوات والامكانيات وقد انخرط بعمليات اعاد الهيكلة ومادام القطاع الزراعي جزء من مشهد الاقتصاد الكلي ، الذي تتشابك فيه التداولات المالية القطاعيه وتتكامل في كثير من الحلقات ، فان للمصرف الزراعي ( المتخصص) في ظل هذا التشابك حق ممارسة كل التداولات المالية بجانب وظيفته التخصصية . وبموجب ذلك تقتضي الضرورة اصدار قانون جديد للمصرف الزراعي يؤهله لممارسة هذه التداولات ويزيد من رأسماله بما ينسجم وقانون المصارف رقم 94 لسنة 2004 والتعديلات التي طرأت عليه .

3-- في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتعاظم الحاجة لاستيراد المعدات والمستلزمات الداخلة في العملية الزراعية ، يزداد طلب المؤسسات الحكومية المعنية بالقطاع الزراعي والقطاع الخاص لاستيراد هذه المستلزمات ، ومن الواضح ان هذه الجهات تتعامل مع المصارف التجارية ومكاتب تحويل العملات الخاصة ، لاتمام عمليات التحويل المالي بغياب تام للمصرف الزراعي .. وبناء عليه فان أمام المصرف الزراعي فرصة لفتح الاعتمادات المصرفية لتقديم خدمات التحويل هذه من خلال التوسع في نشاطاته خارج البلاد عبر فتح الفروع في البلدان التي يزداد التبادل التجاري معها في القطاع الزراعي ، وخاصة جمهورية الصين الشعبية ( حيث يمكن التنسيق مع المصرف الزراعي الصيني لتأمين هذه التحويلات في أضعف الأحوال ) وكذلك دولتي الأردن والامارات.. وهذا النشاط سيعود بالفائدة الكبيرة على أرباح المصرف دون أدنى شك ،وهو يثبت ان تداولات الصيرفة الشاملة لا تتقاطع مع العمل التخصصي .

4- الاستثمار في القطاع الزراعي من خلال توفير المعدات والادوات والمواد الداخل في العملية الزراعية وخاصة ، تلك التي تشهد اقبالا كبيرا ، مثل المنظومات والمعدات والمواد الداخلة في مشاريع الزراعة المغطات ، عبر تأسيس مكتب خاص لاستيراد المواد الزراعية .. وكذلك الاستثمار مع شركات القطاع الخاص .. وقد سبق للمصرف أن حصل على موافقة للعمل بالاجارة والمرابحة والمشاركة ، لكن هذه العملية اصطدمت بالتعليمات النافذة .

5- ومما لاشك فيه فان تنشيط الاعلان المصرفي سيكون أمرا مهما ، بغية تشجيع الشركات والمستثمرين والفلاحين والمزارعين على التعامل مع هذه المؤسسة والمالية وبالتالي فتح الحسابات ( الجارية والودائع والتوفير ) ومنح التسهيلات للأعمال الزراعية بأقل الفوائد مقارنة بالمصارف التجارية والتأكيد على اختزال حلقات الترهل في تقديم تلك الخدمات .

7- ويمكن أن يتم التثبت من علاقة المتعاملين مع المصرف بالقطاع الزراعي – اذا ما اقتضت الضرورة - من خلال ممارسة المهنة – عبر ابراز أية بطاقة شخصية تكون صادرة عن المؤسسات الحكومية أو منظمات المجتمع المدني (الجمعيات الفلاحية) او ما يثبت عائدية الارض الزراعية أو اجازة المشروع ، كذلك يمكن اعتماد التصنيف المناطقي ، فمن المفترض أن تفتح الحسابات – الجارية والتوفير - لسكان المناطق الزراعية والريفية دون التثبت من المهنة .

8- من المهم التأكيد على اصدار قانون جديد ينظم عمل المصرف الزراعي في ظل واقع اقتصاد السوق الذي يتحرك باتجاهه الاقتصاد العراقي ، مع ضرورة تعديل النظام الداخلي للمصرف بما ينسجم والواقع الجديد لعمل المصرف ومشهد الاقتصاد الكلي .

المصادر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أحمد عبد الكريم (المؤسسات المالية) 29/12/ 2008 /موقع فيض القلم /انترنت
*عماد السوندي (مفهوم البنك والمصرف) موقع العلوم المصرفية والمالية والموارد البشرية (انترنت)
(انترنت) Conseil D'Analyse economique(facebook)*
*د.حسين عمر 1989 (مباديء المعرفة الاقتصادية) منشورات ذات السلاسل: الكويت
*د.خالد أمين عبد الله ود. اسماعيل ابراهيم الطراد 2006 (ادارة العمليات المصرفية المحلية والدولية ) دار وائل للنشر
*د. يوسف بن أحمد القاسم (البنوك وصناديق التنمية المتخصصة) جريدة الاقتصادية السعودية/النسخة الالكترونية العدد 6569 في 6 اكتوبر 2011 .
*التقرير السنوي عن اعمال المصرف الزراعي للاعوام 1959 ، 1960 ، 1961 .
*النظام الداخلي للمصرف الزراعي التعاوني/ الوقائع العراقية العدد 3728 في 29/ حزيران/ 1998 .
*دور المصرف الزراعي في تحقيق التنمية الزراعية / اعداد : المركز الاعلامي في المصرف الزراعي/ منشور على موقع المصرف الزراعي الالكتروني.
*وسائل الارتقاء بالواقع الزراعي ودور المصرف الزراعي في تحقيق ذلك/ دراسة أعدت في المصرف الزراعي/تشرين الثاني 2007 /منشورة على موقع المصرف الألكتروني .
* قانون الموازنة العامة لسنة 2015 المادة 18 أولا .
*(قراءة في قانون موازنة العام 2015 /محمد شريف أبو ميسم /مقال في جريدة الصباح/ 1/2/2015 :ص آراء)

قائمة الملاحق :
رقم الصفحة اسم الملحق التسلسل
17

18 معدل سعر الفائدة خلال الفترة من 1935 الى مابعد 1960

معدلات سعر الفائدة للسنوات 2000 – 2014 مخطط رقم 1

مخطط رقم 2